فلسطين والصهيونية والإمبريالية الأمريكية: الملتقى الفلسطيني

شامي
February 13, 2025

مع ارتكاب الإبادة الجماعية في غزّة، وازدياد الاقتحامات وعمليات هدم المنازل في الضفّة الغربية، وعودة ترامب للرئاسة في الغرب، يطرح سؤال أساسي: هل سيستمرّ تهميش فلسطين وشعبها؟

على مدار أكثر من مائة عام، حاولت الحركة الصهيونية ومؤيدوها الغربيون في المقام الأول محو فكرة فلسطين. فقد استخدموا أساليب مختلفة للاستيلاء على الأرض الفلسطينية - كمحاولة شرائها من سكّانها الأصليين، وإعدام من قاوموا أو إبعادهم قسرياً - كلّ ذلك في محاولة لمحو فكرة فلسطين. عندما رفضت فلسطين وشعبها أن يذهبوا طي النسيان، استخدموا تحريف التاريخ للقول بأنّه لم يكن هناك فلسطين أو شعب فلسطيني. وعلى الرغم من تاريخ فلسطين الذي يعود إلى ٤٠٠٠ عام، والروايات المفصّلة للمؤرّخين مثل هيرودوت، والأدلّة المكتوبة والأثرية الدامغة، يواصل الصهاينة محو فلسطين وشعبها، ويدفعون باتّجاه احتلال الأرض وتهجير سكّانها الأصليين.

والآن، في عام ٢٠٢٥، حيث عرّى عدوان الإبادة الجماعية على غزة الحركة الصهيونية للعالم كما لم يحدث من قبل، ممّا جعل إسرائيل وأبرز داعميها، الولايات المتّحدة، في عزلة متزايدة على الساحة العالمية. وعلى عكس ما قد يعتقده البعض، فإن هذا لن يجعلهما أكثر عرضة للإذعان. بل من المرجّح أن يتخلّصوا من أي مظهر من مظاهر التحضّر، وقد يصبحون أكثر خطورة من أي وقت مضى.  

كيف ستبدو فلسطين في عام ٢٠٢٥ بعد عقود من المحو المستمرّ؟ هل ستضمّ إسرائيل الضفّة الغربية بالكامل؟ هل سيتمّ محو فلسطين بالكامل؟

هناك بعض العوامل التي ينبغي أخذها بعين الاعتبار عند تقييم المتغيّرات المختلفة التي تؤثّر على فلسطين وشعبها:

  • لن تسمح إسرائيل بقيام دولة فلسطينية.  

  • لقد بذلت السلطة الفلسطينية كل ما في وسعها لتكون امتداداً للاحتلال الإسرائيلي وهي ليست حليفاً للشعب الفلسطيني الكادح.

  • ينوي دونالد ترامب توسيع اتّفاقات أبراهام لأقصى حدّ وهو يدعم فكرة ضمّ الضفّة الغربية وقطاع غزّة للكيان الصهيوني.  

  • هناك شرخ واضح بين الفصائل الفلسطينية المقاومة والأخرى المناهضة للمقاومة، ما يمنعها من تشكيل جبهة موحّدة.  

  • يواجه الشعب الفلسطيني مشاكل تنسيقية ولوجستية.

لن تسمح إسرائيل بقيام دولة فلسطينية:

لقد أعلنت إسرائيل مراراً وتكراراً أنها ستفعل كل ما بوسعها لضمان عدم قيام دولة فلسطين.  

ووفقاٌ لموقع واي نت نيوز (يديعوت أحرونوت)، أعلن نتنياهو في آذار/مارس ٢٠١٥ أنّه لن تقوم دولة فلسطينية خلال عهده. فقد ضمنت جهود إنشاء المستعمرات اليهودية طيلة العقود الأخيرة في الضفّة الغربية عدم قيام دولة فلسطينية متّصلة جغرافياً. وكانت استراتيجيتهم هي فرض الحقائق على الأرض، فارتفع عدد المستوطنين اليهود من صفر في عام ١٩٧٦ إلى ما يقارب ٧٥٠ ألف مستوطن في عام ٢٠٢٤، مع أكثر من ٢٥٠ مستعمرة معترف بها وغير معترف بها لليهود حصرياً، وفقًا لقناة الجزيرة. إنّ قيام دولة فلسطينية ذات سيادة حقيقية يتطلّب هدم هذه المستوطنات، ولكن هذا غير ممكن عملياً. فالغالبية العظمى من هؤلاء المستوطنين مدجّجون بالسلاح، ومدعومون بقوّات أمن خاصّة، ومحميون من قبل جيش الإحتلال. وقد أثبت هؤلاء المستوطنون أنّهم من بين أكثر مكوّنات المجتمع الصهيوني عنفاً وكثيراً ما يقتحمون القرى والبلدات الفلسطينية، فيهاجمون الفلسطينيين ويقتلونهم دون تمييز. بات معروفاً على نطاق واسع أنّ هذه المستوطنات تمثّل إحدى أهمّ العوائق أمام إقامة دولة فلسطينية مستقلّة. وعلى الرغم من ذلك، لم تكتفي الحكومة الإسرائيلية بدعمها لهذه المستوطنات فحسب، بل اتّبعت سياسات فعالة لتوسيعها، مما يزيد من ترسيخ الاحتلال وتقويض أي احتمال لقيام دولة فلسطينية قابلة للحياة.  

وفي تمّوز/يوليو ٢٠٢٤، وصل الأمر بالكنيست الإسرائيلي أن مرّر قراراً يرفض إقامة دولة فلسطينية. وبينما تواصل وسائل الإعلام الغربية إلقاء اللوم على الفلسطينيين لرفضهم التفاوض على التخلّي عن أرضهم، فإنّ الكيان الصهيوني ومجتمعه في الواقع هو الطرف الذي لم يبدِ أي استعداد لقبول أي شيء آخر غير المحو الكامل لفلسطين.  

إنّ رئيس الوزراء الإسرائيلي الأطول خدمة في إسرائيل، بنيامين نتنياهو، الذي يشغل منصبه بشكل متقطّع منذ ١٧ عاماً، لا يحظى بشعبية كبيرة ويواجه المحاكمة بتهمة الفساد. وهذا يجعله خطيراً بشكل خاص لأنّه ليس لديه الكثير ليخسره. فحكومته وقاعدة مؤيديه مكوّنة من أكثر ممثّلي الصهيونية عنفاً وخطورةً، وهم الذين يحرص نتانياهو على تلبية مطالبهم.

وذكر موقع ”ميدل إيست آي“ أنّ "وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش أبلغ وزارته بالاستعداد لضمّ الضفّة الغربية المحتلّة في أعقاب فوز دونالد ترامب في الانتخابات الأمريكية." في هذا السياق، يجب التذكير أنّ إسرائيل دائماً ما حاولت محو فلسطين، وهذا سابق لعهد نتنياهو أو لسموتريتش بعقود.  

لقد اشتهر رئيس الوزراء الصهيوني الأسبق أرييل شارون بقوله: ”الأردن هي فلسطين“، في إشارة ضمنية إلى أنّ الفلسطينيين ينتمون إلى أي مكان سوى أرض فلسطين التاريخية. وقالت رئيسة الوزراء الصهيونية السابقة غولدا مائير مراراً وتكراراً: ”ليس هناك فلسطينيين.“ حاول معظم رؤساء الوزراء والمسؤولين الحكوميين الإسرائيليين في مرحلة أو أخرى محو أي شعور بالوعي الوطني الفلسطيني. لا يمكن لفلسطين أن تكون موجودة إلى جانب إسرائيل لأن وجود إسرائيل قائم على محو فلسطين.  

لقد أبرزت إسرائيل نفسها للعالم أجمع أنّها دائماً ما كانت كياناً استعمارياً، ويجب أن تُعامَل معاملة الدولة المنبوذة التي ظهرت على هيئتها.  

لقد بذلت السلطة الفلسطينية كل ما في وسعها لتكون امتداداً للاحتلال الإسرائيلي وهي ليست حليفاً للشعب الفلسطيني الكادح:

هل ستزول السلطة الفلسطينية عن الوجود في حال اعترفت إدارة ترامب بالسلطة الإسرائيلية القائمة بالفعل على كامل الضفّة الغربية؟ كلا، فوجود حكومة عميلة هو أمر ضروري لتصويرها زوراً على أنّها تمثّل حكماً ذاتياً فلسطينياً لأنّ إسرائيل لن تجرؤ على منح الجنسية لثلاثة ملايين فلسطيني يعيشون في الضفّة الغربية، فهذا من شأنه أن يشكّل تهديداً وجودياً للدولة الاستعمارية - فمنح الفلسطينيين في الضفّة الغربية مكانة سياسية من شأنه أن يرجّح كفة الميزان لصالح الفلسطينيين.  

لقد كان يُنظر إلى السلطة الفلسطينية لفترة وجيزة على أنّها الممثّل الشرعي للشعب الفلسطيني داخل فلسطين وفي الشتات. أمّا اليوم، فهذا أبعد ما يكون عن الحقيقة. ففي حين أنّ السلطة الفلسطينية لم تُنشأ لتحكم بصورة دائمة، وكان المفترض منها أن تكون حكومةً مؤقّتة، إلّا أنّ الواقع يُظهر أنّ السلطة الفلسطينية لم تترسخ إلّا بعد ٣٠ عاماً. فأجهزتها الأمنية التي تعتبر واحدة من أكثر الأجهزة الأمنية في العالم دعماً وعدداً، تُجنَّد من أفقر أفراد الطبقة العاملة في فلسطين، ومع ذلك فإنّ هذه القوّات ليست مصمّمة لحماية الفلسطينيين. بل على العكس تماماً، إنّها مصمّمة لحماية إسرائيل من الفلسطينيين، ولذلك فهي تنسّق عملياتها بانتظام مع جنود الاحتلال الإسرائيلي؛ بل إنّ محمود عباس ذهب في أيار/مايو ٢٠١٤ إلى حدّ وصف هذا التنسيق مع دولة إسرائيل بأنه ”مقدّس“.

تضمّ قيادة السلطة الفلسطينية بعضاً من الأعضاء الأكثر نفوذاً على صعيد الطبقة الحاكمة الفلسطينية، وحتّى في بلدٍ يرزح تحت الاحتلال العسكري الوحشي، نما عددٌ صغير من الفلسطينيين وأصبحوا نافذين وأغنياء عبر تعاملهم مع كيان الاستعمار الصهيوني. لم تُجري السلطة الفلسطينية انتخابات ديمقراطية منذ أكثر من ١٥ عاماً، بل وصلت إلى حدّ اغتيال وسجن المعارضين السياسيين.  

ولكي تنهض فلسطين، يجب إمّا حلّ السلطة الفلسطينية أو/ وقف تنسيق السلطة الأمني مع إسرائيل، وعليها أن تنضمّ إلى عامّة الشعب الفلسطيني في حركة المقاومة الشعبية لاستعادة الحدّ الأدنى من الشرعية بين الطبقة العاملة.

يعتزم دونالد ترامب بالكامل توسيع اتّفاقات أبراهام لأقصى حدّ وهو يدعم فكرة ضمّ الضفّة الغربية وقطاع غزّة للكيان الصهيوني:

غالباً ما يوصف دونالد ترامب بأنّه أحد أعظم أصدقاء إسرائيل. ولدى صهره جاريد كوشنر حصصٌ باسمه الشخصي في شركات بناء تنشئ مستوطنات صهيونية في الضفة الغربية، وقد أطلق اسم ترامب على مستوطنة صهيونية لاعتراف إدارته بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان السورية المحتلّة. لم يكن دونالد ترامب، مثل كل رئيس أمريكي سبقه، حليفاً للشعب الفلسطيني أبداً. فقد خاض حملة انتخابية مؤيدة بشدة لإسرائيل، داعياً إسرائيل إلى ”إكمال المهمّة“ فيما يخصّ قطاع غزة.  

كما ضمن مموّلو حملته الانتخابية استمرار سياساته المؤيدة لإسرائيل. فقد تبرّعت ميريام أديلسون، أرملة قطب كازينوهات لاس فيغاس، شيلدون أديلسون، بمبلغ ١٠٦ ملايين دولار لحملة ترامب، وفقاً لمنظمة ”أوبن سيكريتس“ (Open Secrets) المعنية بتتبّع تمويل الحملات الانتخابية. وذكرت صحيفة ”فلسطين كرونيكل“ نقلاً عن مقال نشرته صحيفة ”هآرتس“ أنها تبرعت بالمال لحملة ترامب بشرط أن يعترف ترامب بضم إسرائيل للضفّة الغربية. إذا كان هذا صحيحاً فإنّ عقوداً من السياسة الخارجية الأمريكية، بالإضافة إلى خطاب يزعم دعم ”حل الدولتين“، سوف يتلاشى أخيراً وستظهر الحقيقة التي لطالما عرفها الفلسطينيون: لم تدعم الولايات المتحدة أبداً قيام دولة فلسطينية وحاولت بالفعل منع قيامها.  

لقد حرصت الولايات المتّحدة على ضمان حصول إسرائيل على أكبر قدر ممكن من المساعدات العسكرية والخارجية، فوفقاً لمجلس العلاقات الخارجية، فإنّ إسرائيل هي أكبر متلقٍ تراكمي للمساعدات الخارجية في تاريخ الولايات المتحدة، حيث تجاوزت ٣٠٠ مليار دولار في ٧٦ عاماً. من ليندون جونسون الذي ضمن لإسرائيل الحفاظ على تفوقها الاستراتيجي على أعدائها من خلال السماح لها بالتخلّي عن التوقيع على معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية إلى نشر أوباما مقالاً يدافع فيه عن ”حق إسرائيل في الدفاع عن النفس“ أثناء ارتكابها الإبادة الجماعية في غزة - بذلت الولايات المتحدة قصارى جهدها لتكون بمثابة شيك على بياض ودرع لإسرائيل.

في ٢٦ كانون الأوّل/يناير ٢٠٢٥، في مقال نشرته صحيفة ”يو إس إيه توداي“ (USA TODAY)، عند حديثه عن فلسطينيي غزة، نُقل عن ترامب قوله: ”امحوهم فحسب... قد يكون ذلك مؤقتاً، وقد يكون طويل الأمد“. ومضى يقول إنه عليهم الذهاب إلى الأردن ومصر. وفي الرابع من شباط/فبراير، وفي مؤتمر صحفي إلى جانب نتنياهو، صرّح ترامب بأنّ ”الولايات المتحدة ستستولي على قطاع غزة وستكرّس جهوداً مكثّفة له كذلك“، ومضى يقول إنه سيحوله إلى ”ريفييرا“. وتأتي هذه اللحظة التي نزع ترامب فيها القناع عن وجهه، لتعلّم شعوب العالم أن الولايات المتحدة ووكيلتها، إسرائيل، لديهما النية الكاملة لمواصلة حملة التطهير العرقي.  

وهذا من شأنه أن يعيق توسيع ترامب لاتفاقية إبراهيم حيث ستجد المملكة العربية السعودية نفسها دون أي شيء إيجابي تتذرّع به فيما يتعلّق بالفلسطينيين. وسيتعيّن تقديم نوع من التنازل، سواء كان حقيقياً أو وهمياً، يمكن أن يدّعي النظام الملكي السعودي أنه ضمنه للشعب الفلسطيني. ووفقاً لرويترز، أصرّت المملكة العربية السعودية على أنها لن تطبّع العلاقات مع إسرائيل حتى يتم إقامة دولة فلسطينية.

لم تسفر اتفاقات إبراهيم عن أي نتائج إيجابية وملموسة للشعب الفلسطيني كما زعم ترامب في الأصل. وهذا يعني أنه سيتعيّن على الاتفاقات إما أن تتخلّى عن الادّعاء الزائف بأنها ستؤثّر إيجاباً على الفلسطينيين، أو سيتعيّن إعادة تسويقها على أنها ستعود بالنفع على إسرائيل ومقاولي الدفاع والعلاقات التجارية حصراً.  

أمّا الدول العربية الأخرى مثل سوريا وعُمان والجزائر والكويت، فلا يمكن أن يُتوقع منها التطبيع ما لم تُظهر إجراءات ملحوظة ترقى إلى مستوى الدولة الفلسطينية. فجميع هذه الدول لديها حكومات تعادي إسرائيل بشدة، ناهيك عن أنّ غالبية سكانها منحازون جداً للقضية الشعبية الفلسطينية.  

إن استراتيجية ترامب هي الفوضى والإثارة التي سيستخدمها لزرع الخوف بين أعدائه. وستركّز الحكومات على الدفاع عن نفسها في مواجهة الادّعاءات التي لا تستند إلى أمر قضائي وسياساته التي لا يمكن أن تكون قادرة على القيام بأي مقاومة ملحوظة. وهذا يهيئ الساحة لمجموعة متنوّعة من الاستراتيجيات التي يمكن أن يستخدمها ترامب ضد الفلسطينيين. يجب نبذه دولياً.

هناك شرخ واضح بين الفصائل الفلسطينية المقاومة والأخرى المناهضة للمقاومة، ما يمنعها من تشكيل جبهة موحّدة:

ويتمثل الخلاف السياسي الرئيسي بين الفصائل الفلسطينية، ولا سيما بين حركتي حماس وفتح، فيما إذا كانت المقاومة - ولا سيما المقاومة المسلحة - هي السبيل للتحرير.  

وفي تمّوز/يوليو ٢٠٢٤، اجتمعت الحركتان ووقّعتا بياناً يهدف إلى ”إنهاء الانقسام وتعزيز الوحدة“. ومع ذلك، لم تُتّخذ أي خطوة ملموسة لرسم طريق للمضي قدماً، ووفقاً لموقع ميدل إيست آي، فإن السلطة الفلسطينية ”أبلغت الولايات المتّحدة أنها مستعدّة ’للاشتباك‘ مع حماس إذا كان هذا هو الثمن المطلوب لتولّي السلطة في قطاع غزة“. ويبقى السؤال المطروح: هل تواصل حماس استراتيجيتها في المقاومة المسلّحة أم تتّبع وسائل بديلة لتوحيد الفلسطينيين على مستوى العالم وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي؟

في حين أنّ استراتيجية الإبادة الجماعية التي تتبعها إسرائيل في غزّة قد أضعفت حماس مادّياً، إلا أنّها لا تزال تعتبر الخطّ الأمامي للمقاومة. ومن غير المستغرب أنّ هناك مؤشرات على أنّ كتائب القسام تمكّنت من الاستمرار في تجنيد المقاتلين طوال فترة الحرب. أمّا حركة فتح، من ناحية أخرى، فهي جزء من السلطة الفلسطينية الحاكمة، وتواجه مستويات متدنية تاريخياً من التأييد - حيث ينظر إليها الكثيرون على أنها متواطئة مع الاحتلال الإسرائيلي وتفتقر إلى الشرعية الديمقراطية.

ينبغي لحماس أن تستفيد من موقفها لامتصاص البنية التحتية للسلطة الفلسطينية في الضفّة الغربية من خلال المقاومة الكاملة إلى جانب جماعات المقاومة الأخرى الأصغر في الأراضي المحتلّة أو إجبار السلطة الفلسطينية في نهاية المطاف على حلّ نفسها وإتاحة الفرصة لتشكيل حكومة جديدة. وقد يبدو ذلك بمثابة انتخابات افتراضية تلتفّ على العوائق الإسرائيلية التي تحول دون التصويت الحضوري - ممّا يسمح للطبقة العاملة في فلسطين، سواء في المخيّمات أو الضفّة الغربية أو في غزّة والشتات، بتحديد المسار إلى الأمام.  

وبينما تتصارع الفصائل الفلسطينية على هذه القرارات، لن تقف الولايات المتّحدة وإسرائيل مكتوفة الأيدي. فلدى كلّ من حكومتيهما مصلحة راسخة في منع أي نوع من الوحدة الفلسطينية، وسوف تقوّضان أي جهود لتنسيق المقاومة الفعالة.  

إنّ ما يأتي من الولايات المتّحدة وإسرائيل يشكّل بالفعل تهديداً وجودياً ويتطلّب رداً موحّداً واستراتيجياً.  

يواجه الشعب الفلسطيني مشاكل تنسيقية ولوجستية:

هناك عوامل كثيرة تصبّ ضدّ مصلحة الشعب الفلسطيني، وأحد المتغيّرات البارزة هو مشكلة التنظيم الجماعي؛ ففي مجتمعٍ يرزح تحت الاحتلال، هناك نتائج متعدّدة، وبعضها أفضل من البعض الآخر، ولكنّ ذلك يعتمد على الخيارات التي يتّخذها المواطن الفلسطيني العادي. فعلى سبيل المثال، يجب على الأفراد أن يوازنوا بين مخاطر المشاركة في أنشطة المقاومة وبين الحاجة إلى حماية أسرهم ومصادر رزقهم وسلامتهم. وتزداد هذه القرارات اليومية تعقيداً بسبب الهياكل القمعية للاحتلال، مثل مئات الحواجز الثابتة والمتحرّكة المصمّمة لإبقاء الفلسطينيين مشتّتين ومعزولين عن بعضهم البعض. كما أنّ الاتصالات تخضع لرقابة شديدة من قبل السلطة الفلسطينية وسلطات الاحتلال على حدّ سواء، ممّا يجعل من الصعب للغاية تنظيم جبهة موحّدة ضدّ التهديد الوجودي الذي تمثّله إسرائيل. فالفلسطينيون، بغضّ النظر عن وضعهم من حيث الجنسية، يتعرّضون للاعتقال بانتظام بسبب التصريح علناً بأي نسب.  

ثم هناك ما يقارب مليوني فلسطيني من مواطني الكيان الصهيوني الذين يواجهون خطر فقدان الجنسية والاعتقال التعسّفي إذا ما توسّعوا وعملوا إلى جانب أشقّائهم الفلسطينيين في الضفّة الغربية. بالإضافة إلى ذلك، يعاني فلسطينيو غزّة من الجحيم على الأرض ويجري استهدافهم بشكل فعلي للتطهير العرقي الكامل. وفي الشتات، ينتشر الملايين في مخيّمات اللاجئين في لبنان وسوريا والأردن، بالإضافة إلى ملايين آخرين منتشرين في جميع أنحاء العالم. وعلى الرغم من أنّ الانقسامات المادّية تجعل التنسيق والخدمات اللوجستية صعبة، إلّا أنها ليست مستحيلة، ويمكن لشبكة الإنترنت أن تلعب دوراً حيوياً في سدّ الفجوات. فكيف يمكن التنسيق بين ٣ ملايين فلسطيني في الضفّة الغربية ومليوني فلسطيني في غزّة ومليوني فلسطيني يحملون الجنسية الإسرائيلية؟  

يتعيّن على الفلسطينيين في الضفّة الغربية التعامل مع نقاط التفتيش اليومية، والغارات الاستعمارية المستمرّة، وعنف المستوطنين. إنّهم يريدون إنهاء نقاط التفتيش، والعمل المنتظم، وحرية التنقّل داخل فلسطين وخارجها. يطالب الفلسطينيون في غزّة بإنهاء الإبادة الجماعية، ورفع الحصار، وعودة منازلهم في جميع أنحاء فلسطين المحتلّة. أمّا المواطنون الفلسطينيون في إسرائيل فيمكن القول إنّهم الأكثر حظًّا من بين هذه الفئات، ولكنّهم لا يزالون في أسفل الهرم الصهيوني؛ فبينما يتمتّعون بحرية نسبية في التنقّل، إنهم يواجهون خطر الاعتقال التعسّفي وهدم المنازل. كلّ هذه المجموعات المختلفة، بغض النظر عن موقعها في فلسطين، لها أولويات مختلفة ويجب أن تنشئ نوعاً من مجالس المواطنين أو حكومة حزب الطبقة العاملة لمواءمة احتياجاتها وخلق دعوة موحدة للتحرير.

النضال مستمرّ

بينما تستمرّ إسرائيل والولايات المتّحدة في إحكام قبضتهما، لا يزال الشعب الفلسطيني صامداً ومصمماً على المقاومة. فالتحديات هائلة: من التهديد الوجودي الذي تمثّله إسرائيل إلى تواطؤ السلطة الفلسطينية إلى غياب الوحدة بين الفصائل الفلسطينية والعوائق اللوجستية التي يفرضها الاحتلال. ومع ذلك، فإنّ النضال الفلسطيني من أجل الحرية مستمرّ، ومجرّد وجوده يشكّل تهديداً وجودياً لإسرائيل. ولكن ما هو واضح، مع ذلك، هو حقيقة أنه طالما استمرّت القوى الغربية في تجاهل مطالب الشعب الفلسطيني بالحرّية، فإن الولايات المتّحدة ووكيلتها إسرائيل ستظلّان تواجهان حركة مقاومة شعبية لا تنتهي أبداً ستكون في نهاية المطاف سبباً في إفشال حكومتيهما.  

إنّ الطريق إلى الأمام يتطلّب الوحدة بين أبناء الشعب الفلسطيني وإعادة تصوّر جذري للاستراتيجيات التي ترتكز على التنظيم الشعبي للطبقة العاملة اليومية والتضامن الدولي والالتزام الثابت بالتحرير. يعتمد مستقبل فلسطين على قدرة شعبها على تجاوز الحدود ومواجهة الصهيونية برؤية موحدة للعدالة والمساءلة.  

نرجو منكم دعمنا إذا كانت لديكم القدرة

شبكة الإعلام الفدائي تعتمد بالكامل على المتطوّعين.

قدّم دعمًا