"ليست الطوائف طوائف إلا بالدولة. والدولة هي التي تؤمن ديمومة الحركة في إعادة إنتاج الطوائف كيانات سياسية هي، بالدولة وحدها، مؤسسات. لكن منطق الفكر الطائفي يقلب الأشياء نقائضها، فتظهر الدولة طائفية، كأنها نتيجة تعدد الطوائف، بينما بها -أعني بالدولة- تتعدد الطوائف، وبها يعاد إنتاجها، من حيث هي كيانات سياسية. أليس طريفاً أن تكون الطوائف بحاجة إلى اعتراف الدولة بها، حتى تكتسب جدارة الوجود؟ فإذا لم يكن اعتراف بها، وكان وجودها سرياً، خفياً، خارجاً على القانون، وخارجاً بالتالي على الوجود؟"
مهدي عامل، في الدولة الطائفية
في ٥ آذار/مارس ٢٠٢٥، شنّت مجموعة من الجنود والضبّاط السابقين من الجيش العربي السوري سلسلة من الكمائن استهدفت عناصر من الأمن العام السوري في محافظتي طرطوس واللاذقية، ما أسفر عن مقتل المئات من عناصر الأمن حسب السلطات السورية. تبعت ذلك موجة غير مسبوقة من جرائم القتل الطائفية الممنهجة على طول الساحل السوري، كما امتدّت لبعض القرى والبلدات في ريف حمص وريف حماة، استهدفت أبناء الطائفة العلوية بصورة خاصّة. مع استمرار المذابح الطائفية، وثّقت "مجموعة السلم الأهلي" مقتل ٩٣٧ مدني حتّى تاريخ ١٠ آذار/مارس. أمّا المرصد السوري لحقوق الإنسان، فقد أعلن في آخر تقدير له بتاريخ ١٣ آذار/مارس عن مقتل ١٤٧٦ "مدني أعزل". أقلّ ما يمكن وصف هذه الأحداث على أنّها تنضوي ضمن حملة ممنهجة تستهدف علويي سوريا، يتمّ شنّها بذريعة القضاء على "فلول نظام الأسد"، وهو توصيف بات يشمل اليوم كل من ينتقد أو يعارض سلطة الأمر الواقع في سوريا.
نتيجة للمجازر الدامية التي ترتكبها السلطات السورية إلى جانب فصائل تكفيرية أخرى في المدن والبلدات ذات الأكثرية السكّانية العلوية، لجأ أكثر من ٩٠٠٠ سوري من الساحل إلى قاعدة حميميم الجوية الروسية في اللاذقية، بينما هجر البعض القرى نحو الأحراش المتاخمة لها. وقد أعلن عماد اللبكي، محافظ عكّار في شمال لبنان، أنّ ١٤٧٦ عائلة علوية، مكوّنة من ٦٠٧٨ فرداً، قد لجأت للمحافظة خلال الأيام الأخيرة، ويتوزّع هؤلاء الأفراد على ١٥ قرية وبلدة. كما لجأ آلاف آخرون إلى منطقة "جبل محسن" ذات الأغلبية العلوية في مدينة طرابلس شمال لبنان. حسب السكّان المحلّيين، يوجد حالياً أكثر من ١٢ ألف لاجئ علوي سوري في قرى عكار وحوالي ٨ آلاف في جبل محسن. وتعتبر هذه موجة اللجوء العارمة الثانية التي شهدتها سوريا منذ سقوط نظام الأسد، حيث لجأ حوالي ٩٠ ألف سوري معظمهم من الطائفة الشيعية خلال أسبوع من سقوط النظام، خاصّة بعد أن تعرّضت بعض البلدات ذات الأغلبية الشيعية لاعتداءات طائفية، كما هو حال قريتي نبل والزهراء في شمال محافظة حلب.
التغطية الإعلامية
لقد وجّه رئيس الأمر الواقع السوري أحمد الشرع عدّة تهديدات لـ "فلول النظام"، كما ألقى باللوم على التدخّلات الأجنبية حيال الفوضى القائمة. وحثّ الشرع جنوده على الانضباط والامتناع عن ارتكاب ما وصفها بـ "الانتهاكات الفردية". ويتطابق هذا الخطاب مع السردية الإعلامية التي تروّج لها السلطات السورية والتي تتبنّاها وسائل إعلامية محلّية ودولية عديدة؛ على سبيل المثال، صوّرت "الجزيرة" القطرية المجازر على أنّها في حقيقة الأمر عمليات عسكرية تهدف للقضاء على "فلول النظام". وقد نشر مقال بتاريخ ٨ آذار/مارس على موقع "الجزيرة" الإنكليزي بعنوان مضلّل: "مئات القتلى على إثر معارك بين أجهزة الأمن السورية وموالين للأسد". ولم يذكر المقال الطابع الطائفي لهذه الجرائم، بل اتّخذ صيغة المجهول دون ذكر الجناة، ليذكّرنا بالتغطية الإعلامية الغربية للجرائم الصهيونية ضدّ الفلسطينيين. لقد نشرت "الجزيرة" كذلك ادّعاءات واهية تزعم بأنّ فلول نظام الأسد مدعومين من قبل عدد من الجهات الخارجية تشمل إيران وحزب الله، وكذلك إسرائيل وقوّات سوريا الديمقراطية (قسد).
لكن مع ارتفاع وتيرة وحدّة المجازر لم يعد بالإمكان تجاهلها من قبل الإعلام. عندها، راحت هذه الوسائل الإعلامية تلقي اللوم على أفراد غير منضبطين بغية التنكّر للطابع الممنهج للجرائم، مع السعي على تبرئة السلطات السورية من أية مسؤولية في المجازر عبر نسبها لفصائل مسلّحة متطرّفة.
لا يمكن نفي أنّ هناك مقاتلين تكفيريين أجانب ينحدرون بغالبيتهم من آسيا الوسطى، لكنّ الحقيقة أنّ معظم هذه المجازر يرتكبها سوريون بحقّ سوريين آخرين لاعتناقهم مذهب طائفي يكنّون له العداء. وهذا الادّعاء موثّق بالفيديوهات التي نشرها المقاتلون أنفسهم، والتي تظهر بعضها جنوداً وعناصرَ بزي الأمن العام وهم يعدمون مدنيين عزّل بإعدامات ميدانية، كما تظهر فيديوهات أخرى مقاتلين ينهبون و"يعفّشون" المنازل والمتاجر والمصالح التي يمتلكها علويون.
هناك عدّة عوامل تثبت مشاركة السلطات السورية بصورة مباشرة أو، بأقل تقدير، موافقتها على هذه المجازر:
أ- التعبئة العامّة لعناصر الأمن والعسكر من كافّة أنحاء البلاد ونشرهم على الساحل السوري، مزوّدين بالعتاد العسكري والأسلحة الثقيلة. وقد ترافق ذلك مع جهود لحشد السنّيين في سوريا، وقد شمل ذلك دعوات من المساجد لشنّ الجهاد ضدّ فلول النظام البائد.
ب- إنشاء مراكز للتطوّع في الجيش، مثل المركز الواقع في حي باب عمرو في حمص والذي يشرف عليه الجيش الوطني السوري. في هذا المركز بالذات، اعترف مراهق مجنّد لمراسلين سريين أنّه في ٥ آذار/مارس، تمّ تجنيد المتطوّعين بصورة فورية في الجيش، وتمّ تسليحهم وإرسالهم إلى الساحل السوري دون التدريب اللازم.
ج- تحت ذريعة الانفلات الأمني، حظرت السلطات السورية المراسلين الأجانب من مزاولة عملهم في الساحل السوري وتغطية المجازر. عوضاً عنهم، لا تسمح السلطات إلا للصحفيين الموالين لها بالعمل في المنطقة، كصحفيي "الجزيرة" أو جميل الحسن الذي نفى وقوع مجازر طائفية. هذه ليست المرّة الأولى التي تقيّد فيها السلطات السورية عمل المراسلين الأجانب، حيث كان قد سبق لها أن حظرت تغطية المجازر الطائفية التي وقعت في بلدة فاحل في ريف حمص منذ أكثر من شهر. منذ ذلك الحين، كانت تُصَوّر هذه الجرائم على أنّها "أعمال فردية ثأرية".
الشيطنة الطائفية
المريب في الأمر أنّنا نشهد اليوم دعماً لهذه المجازر لدى نسبة مرتفعة من الشعب السوري، الذي ينقسم أكثر فأكثر طائفياً وهوياتياً.

سنة ١٩٨٧، كتب المفكّر الماركسي-اللينيني اللبناني مهدي عامل ما يلي:
للأيديولوجية الطائفية وظيفة سياسية أساسية هي إظهار الانقسام الأفقي الطبقي للمجتمع بمظهر الانقسام العمودي بين الطوائف، لا بين الطبقات، فوظيفة هذا الانقسام العمودي الطائفي للمجتمع هي، بالتحديد، تأمين انقسام الطبقة العاملة وانقسام حلفائها، لمصلحة البرجوازية المسيطرة، أي تأمين التفتت الطائفي للجماهير الشعبية الواقعة تحت الاستغلال الطبقي للبرجوازية".
بينما تفشل السلطات السورية باستمرار في معالجة المشاكل طويلة الأمد التي يواجهها الشعب السوري كالفقر المدقع، والتفاوت الطبقي، وانقطاع الكهرباء، والأهمّ من ذلك، خطر التوغّل الصهيوني إلى الجنوب السوري، تحاول عوضاً عن ذلك تعزيز قبضتها الهشّة على الحكم في سوريا عن طريق شنّ حملة واسعة ضدّ عدوّ وهمي.
بعد ٥٤ سنة من حكم الأسدين في سوريا، يدأب التكفيريون في محاولة تصوير علويي سوريا على أنّهم شركاء لآل الأسد الذين كانوا من الطائفة العلوية كذلك. المثير للسخرية هو أنّ هذا التضليل يتطابق مع خطاب الأسدين، اللذين كانا يسعيان لتقديم أنفسيهما كمدافعين وحماة لـ "الأقلّيات الطائفية" في سوريا، بما في ذلك العلويين، من خطر السنّيين المتطرّفين. اليوم، يقدّم التكفيريون صورة مضلّلة عن الحرب الأهلية السورية من منظور طائفي، ليصوّروا قمع النظام السابق كأنّه حرب ضدّ السنّة. وتتبنّى هذه الصورة الواهية نسبة كبيرة من السوريين الذين وقعوا ضحية لسردية مصطنعة تهدف لتبرير هذه المجازر الطائفية وتشرعنها على مستوى الرأي العام.
مجرّد التنديد بالجرائم الطائفية قد يعرّض الفرد، مهما كانت خلفيته، لتهمة الانتماء لـ "فلول النظام"، أو، على الأقلّ، فقد يعرّضه ذلك لتبريرات "ماذاعنية" تسلّح الجرائم التي ارتكبها النظام السابق "ضدّ أهل السنّة" كذريعة لشرعنة مجازر الساحل. وتفترض هذه السردية زوراً أنّ العلويين وأبناء "الأقلّيات الطائفية" الأخرى كانوا سالمين من طغيان نظام الأسد. تتغاضى هذه السردية كذلك عن حقيقة أنّ معظم المسؤولين السياسيين والعسكريين المقرّبين من الأسد كانوا من الطائفة السنّية، كما أنّ الجنود السنّيين شكّلوا النسبة الأكبر في صفوف الجيش العربي السوري.
ولكن، من المهمّ الذكر أنّ حملة التطهير العرقي هذه تساعدنا في فهم الأسباب التي دفعت بعض الأفراد المنتمين لأقلّيات طائفية إلى دعم الأسد، ولو كان ذلك بصورة شكلية فحسب، حيث كانوا يخشون مصيرهم في حال استيلاء التكفيريين على السلطة.
هناك الكثير من التصوّرات المغلوطة حول الواقع المعيشي للعلويين في سوريا، حيث يظنّ كثيرون خطأً أنّهم كانوا يحصدون فوائد اقتصادية من حكم الأسد، وأنّ هؤلاء الذين لم يشاركوا بصورة مباشرة بقمع المعارضين قد انتفعوا على الأقلّ على المستوى الإقتصادي. إلّا أنّ هذا بعيد جدّاً عن الواقع، حيث أنّ معظم الضحايا العلويين لهذه المجازر كانوا يقطنون في قرى وبلدات معزولة وتفتقر لأبسط الخدمات من كهرباء ومياه وغيره. أمّا في دمشق، فيسكن معظم العلويين في منطقة المزّة ٨٦ غربي العاصمة، وهي منطقة عشوائية مفقرة للغاية. بالإضافة إلى ذلك، فقد أعلن عدد من الناشطين الذين عارضوا نظام الأسد وشاركوا في الثورة السورية منذ أيامها الأولى، عن أنّ أقارب لهم وأعضاء من عائلاتهم قتلوا في المجازر الطائفية هذه، ما يدحض كذلك ادّعاء "أعمال القتل الإنتقامية".
وقد يكون أبهى مثال عن غياب الوعي لدى داعمي سلطة الأمر الواقع وانفصالهم عن الواقع قد جاء في ٩ آذار/مارس؛ نُظّم يومها تجمّع احتجاجي صامت في ساحة الشهداء في دمشق (ساحة المرجة) دعا إليه عدد من المجموعات الليبرالية واليسارية "حداداً على أرواح الضحايا المدنيين وشهداء عناصر الأمن العام"، وقد تعرّض المحتجّون للاعتداء من قبل مناصرين لسلطة الأمر الواقع الذين ردّدوا هتافات طائفية ووجّهوا شتائم لأبناء الطائفة العلوية. اللافت أنّ أحد هؤلاء واجه رجلاً مسنّا بنقمة، فسأله أين كان خلال كلّ تلك السنوات التي مضت (خلال حكم الأسد)، ومتّهماً إيّاه بالنفاق. فيما بعد، كشفت إحدى المتظاهرات أنّ الرجل المسنّ هذا هو رغيد الططري، وهو طيار عسكري سوري سابق أمضى ٤٣ سنة في سجون النظام السابق، من بينها سجن صيدنايا، وذلك لرفضه قصف مدينة حماة سنة ١٩٨٠. أمّا اليوم، فهو من بين المتظاهرين الذي يحتجّون على هذه المجازر الطائفية.
تحليل الطائفية في سوريا
أ- الجذور التاريخية
يهمّنا ذكر أنّ الصراعات الطائفية في منطقة بلاد الشام ليست نادرة. في شكلها الحالي، يمكن نسب تاريخ هذه الصراعات الطائفية إلى ما قبل قرن من الزمن، حينما اتّبعت سلطات الانتداب الفرنسية والبريطانية سياسة "فرّق تسد"؛ فقد سعى الاستعماريون الفرنسيون والبريطانيون لمفاقمة التناقضات الطائفية في المنطقة بغية فرض هيمنتهم الاستعمارية على الشعوب المحلّية ومنع قيام أي مقاومة وطنية موحّدة.
أفضل دليل على ذلك اتّفاقية سايكس-بيكو السرّية لسنة ١٩١٦، ومن بعدها، مؤتمر سان ريمو الاستعماري الذي أشرف على عملية تقسيم المنطقة إلى كيانات سياسية صغيرة تحت حكم السلطات الانتدابية الفرنسية أو البريطانية. بالنسبة لسوريا، فقد قسّمها المستعمرون الفرنسيون إلى ستّة كيانات حسب الانتماءات الهوياتية سنة ١٩٢٠ بعد هزيمة الانتفاضة السورية بوجه الاستعمار: دولة دمشق، دولة حلب، جبل العلويين الذي ضمّ محافظتي اللاذقية وطرطوس، جبل الدروز في الجنوب، إضافة إلى سنجق الإسكندرون (هاتاي حالياً، وقد تمّ ضمّها إلى تركيا) ولبنان الكبير (دولة لبنان الحالية).

طوال عقود، شكّل لبنان بؤرة للتناقضات الطائفية التي فاقمتها كلّ من القوى الدولية والإقليمية من جهة والبرجوازية الحاكمة من جهة أخرى بهدف الحفاظ على امتيازاتها وهيمنتها. وقد تمّ تصدير النموذج الطائفي اللبناني إلى العراق فيما بعد، وذلك بعد الاجتياح الأمريكي-الدولي للبلاد سنة ٢٠٠٣، ليحوّلوا الهويات الطائفية والإثنية إلى كيانات سياسية. وقد انطلقت هذه السيرورة في سوريا كذلك، التي أصبحت بطور التحوّل لدولة سنّية من خلال تحوّلات مؤسّساتية عميقة، وفي طليعتها الأجهزة الأمنية والعسكرية، بينما يتزاحم آلاف السوريين من الطائفة السنّية للانضمام إلى القوى الأمنية والجيش حديث النشأة، والمكوّن من عشرات الميليشيات والفصائل المسلّحة.
ب- الإمبريالية، الاستعمار الاستيطاني الصهيوني والطائفية
سنة ١٩٨٠، كتب مسؤول سابق في وزارة الخارجية الصهيونية ومستشار سابق لأرييل شارون يدعى أوديد ينون مقالاً بعنوان "استراتيجية لإسرائيل في الثمانينيات"، والذي نشر في صحيفة "كيفونيم" وهي صحيفة دورية فصلية "مختصّة بدراسة اليهودية والصهيونية،" وكان يشرف عليها قسم الإعلام في المنظّمة الصهيونية الدولية.
في هذا المقال، يشدّد ينون على الأهمّية بالنسبة للكيان الصهيوني لاستغلال التناقضات الهوياتية في صفوف شعوب الدول العربية، وقدّم موجزاً مفصّلاً عن التشكيل الطائفي والإثني لكلّ من هذه الدول والصراعات المحتمل نشوبها فيها. بالنسبة لسوريا، يقول ينون:
"سوريا ستنقسم، حسب تكوينها الإثني والديني، إلى عدّة دول كما هو الحال اليوم في لبنان، فسيكون هناك دولة شيعية علوية في الساحل، ودولة سنّية في منطقة حلب، ودولة سنّية أخرى في منطقة دمشق ومناوئة لجارتها الشمالية، والدروز الذين سينشئون دولتهم، قد يكون ذلك في جولاننا، والأكيد أنّه سيكون في منطقتي حوران وشمال الأردن. سيشكّل هذا الوضع الراهن ضمانة للسلام والأمن في المنطقة على المدى البعيد، وهذا المسعى بات اليوم في متناولنا".
في هذا السياق، كشفت ويكيليكس سنة ٢٠١٨ عن بريد إلكتروني كانت قد كتبته وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون، وجاء فيه:
"سقوط آل الأسد قد يشعل حرباً طائفية بين الشيعة والأغلبية السنّية في المنطقة ما قد يستدعي تدخّل إيران. هذا، في نظر القياديين الإسرائيليين لن يكون سيئاً بالنسبة لإسرائيل وحلفائها الغربيين".
ومع استمرار التوغّل الصهيوني داخل الأراضي السورية دون رادع، وبعد تدمير المقدّرات العسكرية للجيش السوري عن طريق الغارات الصهيونية، لا شكّ أنّ الصراعات الطائفية في البلاد ستخدم مصالح الكيان الصهيوني. في الواقع، لقد حاولت اسرائيل مراراً أن تتدخّل وتقدّم نفسها على أنّها حامية للأقلّيات في سوريا، أوّلاً مع دروز سوريا، والآن مع العلويين، كذريعة لتقسيم سوريا.
أمّا بالنسبة للسلطات السورية الحالية، والتي تستمرّ بتجاهل الخروقات الصهيونية على سيادة البلاد، فهي تستخدم هذه المجازر الطائفية لحشد الأكثرية السنّية بينما تواجه سوريا مستقبلاً مجهولاً أكثر فأكثر. كما قال مهدي عامل:
"الدولة التي تنشأ على أساس طائفي، تخلق الأزمات الطائفية لضمان استمرارها".
الخاتمة
في وقت نشهد فيه تصاعد الإمبريالية الأمريكية، والتوسّعية الصهيونية والرجعية العالمية، هناك خطر وجودي يحدّق على الأخصّ بدول بلاد الشام كسوريا ولبنان. إنّ اتّفاق رئيس الأمر الواقع السوري أحمد الشرع مع القائد العام لـ قسد مظلوم عبدي لدمج قسد في الدولة السورية هو بلا شكّ خطوة إيجابية نحو التصدّي لمخطّطات تقسيم سوريا. ولكن، إنّ السلطات السورية الحالية هي بأقل تقدير شريكة بالمجازر الطائفية المستمرّة حتّى اللحظة في الساحل السوري، وهي تفرض تعتيماً إعلامياً كذلك. تؤكّد هذه الأحداث المخاوف التي كان يعبّر عنها أفراد منتمين لـ "الأقلّيات الطائفية والإثنية"، الذين يجدون أنفسهم معزولين أكثر فأكثر من قبل الأكثرية السنّية، بينما يعيّن أحمد الشرع، والذي كان يعرف باسم أبو محمّد الجولاني، ميليشياويين جزّارين في مناصب عسكرية رئيسية في الجيش السوري حديث النشأة مقابل ولائهم له (القيادي في ميليشيا الجيش الوطني السوري محمد الجاسم، الملقّب بأبو عمشة، هو مثال صارخ). كما يستمرّ الشرع بتسمية مقرّبين منه لتولّي مناصب مؤسّساتية أساسية كمؤتمر الحوار الوطني المسؤول عن الإشراف على المرحلة الانتقالية والتي احتجّ عليها عدد كبير من السوريين لأنّها بنظرهم لا تمثّل المجتمع السوري بكامل أطيافه. وهذا هو كذلك حال لجنة التحقيق في أحداث الساحل السوري التي اعتبر كثيرون أنّها منحازة. أمّا بالنسبة للتوغّل الصهيوني، فيستمرّ جيش الاحتلال بالتقدّم داخل الأراضي السورية دون أن تواجهه أي مقاومة، بينما يستمرّ المسؤولون السوريون ومن ضمنهم الشرع عن التهرّب من الإجابة عندما يسألون عن الاحتلال الصهيوني للبلاد.
في ظلّ استمرار المجازر والمذابح، نحن في شبكة الإعلام الفدائي نعبّر عن تضامننا مع ضحايا العنف الطائفي في سوريا وكلّ المتضرّرين منه.