مراسل شبكة الفدائي في سوريا، باسل عكاوي، يفصّل وقائع التظاهرة التي اعتقلته الشرطة السورية خلالها
أصدر شباب فلسطيني وسوري دعوة للتظاهر السلمي أمام السفارة الفلسطينية في سوريا، يوم الخميس ٩ كانون الثاني/يناير ٢٠٢٥ عند الساعة ١٢ ظهرا. تزامنت الدعوة مع زيارة وفد السلطة الفلسطينية لدمشق بهدف لقاء الإدارة السورية الجديدة، تضمّن هذا الوفد شخصيات مشبوهة ك"ياسر عباس"، نجل رئيس السلطة الفلسطينية ، وآخرين من كبار مسؤولي حركة تحرير فلسطين (فتح) المتّهمين بقضايا فساد عدّة، منها قضايا اختلاس أموال وتهرّب ضريبي وغيرها. نادى منظّمو الوقفة في نص الدعوة بالاحتجاج ضدّ السلطة الفلسطينية وممثّليها في سوريا على الحصار المستمرّ لمخيّم جنين في الضفة الغربية، وعلى سكوت السلطة عن الإبادة الإسرائيلية لقطاع غزّة، كما على دور السلطة وشراكتها مع نظام الأسد والفصائل الموالية له (القيادة العامة، فتح الانتفاضة، الصاعقة) في حصار مخيّم اليرموك، أكبر مخيّمات الشتات الفلسطيني قبل تدميره بنسبة ٧٠ ل٨٠٪ على يد نظام الأسد وشركاء له . شدّد المنظّمون أنّ هذا الوفد الذي يدّعي تمثيل الفلسطينيين في سوريا، لا يحظى بأي شرعية شعبية إذ عيّنته السلطة دون استشارة فلسطينيي سوريا.
عند وصولي لموقع السفارة الفلسطينية في سوريا ظهرا لتغطية التظاهرة، تفاجأت برؤية حشد من المتجمّعين، يبلغ عددهم حوالي ٢٠٠ شخص، يرفعون صور محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية ورايات فتح المركزية، مطلقين هتافاتٍ داعمة للسلطة. عند التقصّي ، تبيّن أنّ باصاتٍ جُهِّزَتْ لنقل هؤلاء من عدّة مخيّمات فلسطينية في دمشق وريفها، بعد تجييشهم وتحفيزهم لإظهارهم كداعمين للسلطة.
بعد حوالي الربع ساعة ، وصل المتظاهرون المعارضون للسلطة الفلسطينية تدريجيا موقع التظاهرة وذٌهِلوا لرؤية المشهد أمامهم. في تمام الساعة ١٢:٣٠ظ، اعتدى داعمو السلطة على أحد معارضيها بالضرب ، بعدما حاول الاقتراب من مبنى السفارة بهدف التصوير. في بادئ الأمر، حاول عناصر الشرطة السورية ضبط الوضع عبر الفصل بين الطرفين، فالتمّ المتظاهرون المعارضون للسلطة، وكان عددهم لا يتجاوز ٣٠ شخصا، على الجانب الآخر من الطريق، وراحوا يناقشون جدوى استكمال التظاهرة . آنذاك هاجم عدد من داعمين السلطة المعارضين واعتدوا عليهم بالضرب والدفع. ، هاجمني حينها داعمو السلطة خلال تصويري للأحداث تمّت مهاجمتي من قبل الداعمين للسلطة كذلك، مسقطين هاتفي أرضًا . ثم تدخّل عناصر بلباس الشرطة السورية، أٌشيع أنّهم يتبعون لجهاز أمن السلطة الفلسطينيّة ،معتدين بدورهم على المعارضين، حيث سحبوا عددًا من المتظاهرين إلى جانب مبنى السفارة ومن ضمنهم مصوّر صحفي سوري، وعندما حاولت توثيق هذه الوقائع، هاجمني اثنان من العناصر آنفي الذكر، وقاموا باقتيادي إلى الجانب الآخر كذلك ومصادرة جهازي الجوّال، ذلك رغم توضيحي مرارًا أنني مراسل صحفي أحمل تصريحا من وزارة الإعلام السورية يتيح لي التصوير بحريّة.
تم توقيفي عند ما يقارب الساعة الواحدة بعد الظهر، ونقلني العناصر، على وقع التهديد، إلى كشك صغير بجوار السفارة، حيث جمعوني بسائر الموقوفين، وقد بلغ عددنا ١٠ أشخاص، من ضمنهم صحافيّان . يذكر أن العناصر أطلقوا النار في الهواء مرّات عدّة بغية الترهيب، حتّى أنّ أحد العناصر نسي تأمين سلاحه وأخرج طلقا ناريا عن طريق الخطأ، أصابت الرصاصة الطائشة الأرض على بعد شبر منّي. بقينا موقوفين في الكشك تحت حراسة العناصر، ريثما فضّوا التجمّعين بالكامل، وقد طلبوا منّا أوراقنا الثبوتية، أبرزنا حينها المستندات المطلوبة، عدا عن أحد الشبّان الموقوفين، إذ كان قد أبقى بطاقة هويته في سيارته، فرافقه عنصران لإحضار البطاقة ، منهالين عليه بالضرب . بعد إخلاء الساحة من المتجمّعين، أمرنا العناصر، الذين كانوا قد صادروا أجهزتنا الجوّالة وبطاقاتنا الشخصية، بمرافقتهم إلى مبنى وزارة الداخلية الواقع في منطقة كفرسوسة الدمشقية.
وصلنا الى مبنى الوزارة، وعند استفسارنا عن مصيرنا أكد ضابط الأمن العام أنه سيخلي سبيلنا بعد بضع إجراءات روتينية للتأكد من هوياتنا، زاعمًا أنها لن تطول أكثر من عشر دقائق.
، أمرنا عناصر الشرطة بالخروج من المبنى والركوب في سيارة للشرطة السورية، فركب ٩ منّا في السيّارة إلى جانب ٣ عناصر مسلّحين، بينما استقلّ الموقوف العاشر سيارته الخاصّة التي كان قد جاء بها إلى الوزارة، برفقة ضابط الأمن العام.
استغرقت الإجراءات ساعة ونصف انتظرناها قبل أن يُنقل تسعة منّا في آليّة شرطة برفقة ثلاثة عناصر، فيما تبِعَنا الموقوفُ العاشرُ مستقلًا سيارته مصحوبًا بعنصر آخر.
بعد حوالي ٢٠ دقيقة، وصلنا إلى مركز قيادة الشرطة في شارع خالد بن الوليد في العاصمة الدمشق، وبعد بضع دقائق، ترجّلنا من الآلية، واستعاد كلّ منّا بطاقاته الشخصية وأجهزته، وقد طلب منّي مسح كلّ الصور والفيديوهات التي كنت قد التقطتها عن التجمّع، من ضمنها فيديو يوثّق الاعتداء الذي تعرّضت له على أيدي رجال السلطة الفلسطينية وعناصر بلباس الشرطة السورية.
في بادئ الأمر، رفضت هذا الطلب المجحف، وأبرزت التصريح الرقمي الذي كنت قد حصلت عليه يوم الأربعاء ٨ كانون الثاني/يناير، من وزارة الاعلام السورية، إلّا أنّ الضابط أجاب عليّ بأنّه لا يعترف بصحّة هذا التصريح، حتّى بعد أن أريته المحادثة بيني وبين السيّد مصطفى كتّاب، عضو وزارة الاعلام السورية والمسؤول عن إصدار التصاريح للصحفيين الناشطين في سوريا. بعد اصراري على رفض حذف المحتوى، حاول الضابط مصادرة الجهاز بالقوّة، وعند فشله بذلك، جاء عنصر آخر من ورائي وصادره منّي. في هذه اللحظة، ناشدني بعض الشبّان الموقوفين ونصحوني التعاون مع الشرطة، فوافقت على حذف المحتوى، وعندها تمّ السماح لنا بالخروج من مركز قيادة الشرطة، في تمام الساعة ٤:١٠ بعد الظهر، بعد أن تمّ احتجازنا لأكثر من ٣ ساعات.