الملخّص: يقدّم هذا المقال دراسة نقدية للتحالفات بين الأنظمة العربية في مصر، المغرب، الإمارات العربية المتّحدة والأردن من جهة والقوى الغربية من جهة أخرى، من خلال تحليل طبقي، بالاستناد إلى البيانات الاقتصادية، الاتّفاقيات السياسية والأحداث التاريخية. يبرز هذا المقال كيف تدعم البنى الفوقية الإمبريالية هذه الحكومات، وكيف تعمل النخب الحاكمة على البقاء بالسلطة حتّى لو كان ذلك يتعارض مع التوجّه الشعبي السائد، متسلّحين بالتعاون على المستويين الاقتصادي والعسكري كأدوات للبقاء السياسي.
تخيّلوا سدّاً كبيراً ومتهالكاً يكبح نهراً يفوح منه الظلم، يمثّل شعوب الأنظمة العربية العميلة. تصون الطبقة الحاكمة السدّ، بينما ترسل القوى الإمبريالية مهندسيها على هيئة مستشارين، ليصلحوا التشقّقات باتّخاذ تدابير سطحية، كالدعم الرمزي لفلسطين. لكنّ المياه التي تجري خلف السدّ تتغذّى من التدفّق اللامتناهي للتفاوت الطبقي، والاستغلال الاقتصادي، والحرمان المادي والقمع. كما أظهر السدّ علامات التصدّع عند إخضاعه للضغط، تزداد هشاشة الأنظمة مع تصاعد السخط الشعبي. عندما ترتفع مستويات المياه بصورة مفرطة، إنّها لا تطلب إذناً قبل أن تفيض، بل تطوف دون رادع.
اتّسعت هذه التشقّقات خلال التسعينيات عندما بدأت الحركات المناهضة للاستعمار التي تتمحور حول النضالات الاشتراكية ونضالات السكّان الأصليين بالانحسار مع انهيار الاتّحاد السوفياتي فاسحاً المجال للولايات المتّحدة كي تصبح القوّة العالمية العظمى دون منازع. تربّعت الولايات المتّحدة، بعد انهيار الاتّحاد السوفياتي، على عرش عالم جديد أحادي القطب، ودأبت على حفظ الوضع القائم على حاله.
الوضع الجيوسياسي الراهن حاليا هو نتاج مباشر لفترة ما بعد الحرب الباردة، عندما ترك انهيار الاتّحاد السوفياتي الحركات الاشتراكية والمناهضة للاستعمار، كالقومية العربية، دون دعم ملحوظ. في ظلّ غياب دعم الاتّحاد السوفياتي، أضعفت هذه الحركات، واصطفّت النخب الحاكمة أكثر فأكثر مع القوى الغربية للحفاظ على سيطرتها.

في ١٣ أيلول/سبتمبر ١٩٩٣، على إثر ضغوطات أمريكية، وقّع النظام الصهيوني ومنظّمة التحرير الفلسطينية، التي كانت سابقا منظّمة جامعة للمجموعات الفلسطينية الملتزمة بتحرير فلسطين، على اتّفاقية أوسلو، وقُسّمت الضفّة الغربية لعدّة معازل، وشُرعنت المستوطنات الصهيونية القائمة على الأراضي الفلسطينية، وأُقيمت حكومة فلسطينية عميلة. كان اختلال موازين القوى بين المفاوضين الفلسطينيين والصهيونيين واضحاً منذ البداية، مع إبداء الولايات المتّحدة دعمها لوكيلتها إسرائيل.
عمل الكيان فيما بعد على تسطير سلطته عن طريق سجن أو نفي أو اغتيال أي قائد فلسطيني اعتبره مصدر تهديد. في حين مثّلت منظّمة التحرير الفلسطينيين حول العالم، أقيمت السلطة الفلسطينية لتحكم (شكليا) الضفّة الغربية وقطاع غزّة، لكنّها سرعان ما تحوّلت لأداة أخرى من أدوات الاستعمار، لا تطمح إلا لضمان استمراريتها، بينما تبقى أجهزتها الأمنية ورواتبها الحكومية تحت سيطرة الجهة نفسها التي تسعى أن تتحرّر منها.
لم يكن للأنظمة العربية سلطة فيما يخصّ اتّفاقيات أوسلو، لكنّها مع ذلك ارتبطت ارتباطا وثيقا بمصير هذه الأنظمة. عند إدراكهم أنّ الولايات المتّحدة تسيطر على كافّة الخيارات السياسية، تآلف الحكّام العرب مع الكيان الصهيوني كلّما سعوا لإبرام صفقة اقتصادية أو عسكرية مع الولايات المتّحدة.
إسرائيل قاعدة إمبريالية واستعمارية على أرضنا ويتمّ استخدامها لكبح جماح الثورة، ولضمان استمرار إخضاعنا، وللحفاظ على عملية السلب والاستغلال لثرواتنا وجهودنا.
اليوم، وبينما تعاني فلسطين من الإبادة الصهيونية المستمرّة في غزّة وحملة التطهير العرقي في الضفّة الغربية وصحراء النقب، تُسائل الشعوب دور القوى الإقليمية؛ أين الحكّام العرب؟ ألن يتحرّكوا لنصرة فلسطين؟
الإجابة: الحكّام العرب، مثل السلطة الفلسطينية، هم تماما في الموضع الذي تريد القوى الإمبريالية إبقاءهم فيه، مرتبطين بالمصالح الأجنبية على حساب صرخات شعبهم من أجل العدالة.
خلف واجهة الدعم الكلامي للقضية الفلسطينية، أبرمت الأنظمة العربية تحالفات مع القوى الإمبريالية الغربية التي تعزّز حكم برجوازية الدولة وتحقّق مصالحها عبر احتكار الإنتاج. لقاء انتهاج سياسة خارجية تلائم المصالح الأمريكية، بما في ذلك التطبيع مع الكيان الصهيوني، يعطي الطغاة العرب والطبقة الحاكمة في مصر، والمغرب، والإمارات العربية المتّحدة والأردن، الأولوية لتعزيز قبضتهم على البلاد عن طريق التعاون الاقتصادي والعسكري. يبرز هذا التحليل هشاشة الطبقة الحاكمة، كما تؤكّد كيف يمكن للسخط الشعبي المتصاعد أن يهدّد سطوتهم على السلطة، في حين فاقمت خيانة القضية الفلسطينية اغتراب هذه الشعوب. يبحث هذا المقال كيف تبرز الأنظمة في مصر والمغرب والإمارات العربية المتّحدة والأردن هذه الديناميكيات وتكشف التقاطعات بين البقاء السياسي والصراع الطبقي والنضال من أجل فلسطين حرّة.
يخوض الحكّام العرب البرجوازيون لعبة خطرة، إذ تدعم شعوبهم القضية الفلسطينية بأغلبيتها العظمى، إلا أنّ تحالفهم مع واشنطون تضمن لهم استمرارية لأنظمتهم. يستحضر هذا التناقض توصيف الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين سنة ١٩٦٩: إسرائيل قاعدة إمبريالية واستعمارية على أرضنا ويتمّ استخدامها لكبح جماح الثورة، ولضمان استمرار إخضاعنا، وللحفاظ على عملية السلب والاستغلال لثرواتنا وجهودنا.
التعزيز العسكري وديناميات القوّة
خلال الخمسينيات والستّينيات، لم تكن مصر نصيرة قوية للقضية الفلسطينية فحسب، بل كان يُنظر لها على أنّها في طليعة الحركة العروبية المناهضة للاستعمار. إلّا أنّ عقوداً من الانتهاكات الإمبريالية إلى جانب دعم عسكري بالمليارات خلقا سيناريو تضع فيه النخبة الحاكمة ديمومتها أولوية على حساب الدعم الشعبي لفلسطين. في غضون ذلك، تشكّل الحدود المشتركة بين مصر والكيان الصهيوني ذريعة مواتية لبناء أكبر قوّة عسكرية في القارّة الأفريقية.
اليوم، يعتبر المجلس الأعلى للقوّات المسلّحة الجهة الرئيسية التي تدعم الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وحكومته التي تحظى باحتكار القوّة في البلاد، ما يمثّل الأداة الأساسية بالنسبة للحكومة للحفاظ على سيطرتها. في سنة ٢٠٢٣ وحدها، قدّمت الولايات المتّحدة لمصر دعماً عسكرياً بقيمة ١،٢ مليار دولار، مقارنة ب ١٦ مليون دولار مخصّصة للنموّ الاقتصادي.
على مرّ التاريخ، مركزت النخب الحاكمة البنى التحتية للدولة في مواقع تبعد عن المراكز السكنية بغية الحفاظ على الهيمنة مع التقليل من خطر الثورات الشعبية.
وتتجاوز النزعة لتدعيم القوّات المسلّحة وتعزيز البنية التحتية للحكومة مسألة الأمن القومي؛ فقد كشف الربيع العربي ضعف هؤلاء الحكّام أمام الانتفاضات الشعبية. ما يدعو للقلق، أنّه وبحسب هيومن رايتس ووتش، تمكّن الولايات المتّحدة نظام السيسي من تجاهل الشروط الحقوقية التي ترافق الدعم العسكري. في حين كانت مصر في السابق ملزمة على تقديم تقييم سنوي لمستوى احترام حقوق الإنسان، فهي لم تعد مقيّدة بشروط كهذه.
على مرّ التاريخ، مركزت النخب الحاكمة البنى التحتية للدولة في مواقع تبعد عن المراكز السكنية بغية الحفاظ على الهيمنة مع التقليل من خطر الثورات الشعبية.
اليوم، عبد الفتاح السيسي بصدد إنشاء عاصمة جديدة كلّيا، وتبعد كيلومترات عن القاهرة.
تمّ نقل المباني الحكومية التي كانت في سابق الأمر تتوزّع على مختلف أرجاء القاهرة إلى عاصمة حديثة البناء، واقعة في قلب الصحراء، إلى جانب مقرّ عسكري جديد هائل بحجمه - الأوكتاجون، وهو أكبر مبنى للدفاع العسكري في العالم، حتّى أنّه يقزّم البنتاجون. مع تجاوز قيمة إنشاء العاصمة الجديدة مبلغ ال٥٥ مليار دولار بينما يحوم معدّل الفقر حوالي ٣٠٪، يعتمد النظام المصري أكثر فأكثر على الاستثمارات الأجنبية الخاصّة من الولايات المتّحدة، والإمارات العربية المتّحدة وأوروبا لتمويل مشاريعه.

ومع ذلك، فإن العلاقة بين الغرب والأنظمة العربية الرجعية لا تخلو من الخلافات. فبينما تنحاز مصر إلى القوى الغربية، أبدت حكومة السيسي بعض المقاومة لمقترح الكيان الصهيوني بتهجير الفلسطينيين إلى صحراء سيناء. وهذا يدل على أنّ النخب العربية، على الرغم من تبعيتها للقوى الإمبريالية، لا تزال تتصرف باستقلالية عندما يكون بقاؤها المباشر على المحك. فأولوية النخبة الحاكمة في مصر هي الحفاظ على امتيازات طبقتها قبل أي شيء آخر؛ ومن شأن تضخم عدد اللاجئين في صحراء سيناء والمناطق الحضرية أن يخلق سيناريو يمكن أن تتنظّم فيه المقاومة ضد الحكومة.
وقد كانت هناك أمثلة على مصريين يأخذون مصيرهم بأيديهم، مثل محمد صلاح الذي قتل ثلاثة جنود إسرائيليين على الحدود. ويمكن لفصائل المقاومة العديدة المختلفة من غزّة أن تلتحم مع السكّان المصريين الذين يشعرون أن حكومتهم متواطئة في الإبادة الجماعية وتخلق في نهاية المطاف مشكلة مزعزعة لاستقرار الحزب الحاكم. ويسلّط هذا التباين الضوء على خوف مصر من استيراد الصراع الذي قد يزعزع استقرار البلاد أكثر ويفاقم الضغوط الداخلية الناجمة عن الفقر والسخط.
وقد يكون استيعاب ملايين اللاجئين الفلسطينيين من غزة القشّة التي تقصم ظهر البعير. ويؤكّد هذا القلق كيف أنّ مصالح الدول العميلة لا تتوافق دائماً مع مصالح رعاتها.
توفّر البنية الفوقية الأمريكية السلاح، وتثري من يمكن أن يكون امتدادًا لنفوذها.
كما تؤكّد المملكة المغربية، التي يحكمها محمّد السادس، على استخدام التحالفات العسكرية للحفاظ على استقرار النظام. فقد تحالف النظام مؤخّراً مع إسرائيل مقابل اعتراف الولايات المتّحدة باحتلالها للصحراء الغربية. ووفقاً للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، رفض ٨٨٪ من المغربيين الاعتراف الدبلوماسي بإسرائيل. وعلى الرغم من ذلك، وقع المغرب وإسرائيل معاهدة دفاعية ثنائية اتّفقا بموجبها على تعزيز أجهزتهما العسكرية والأمنية الإلكترونية. بالإضافة إلى ذلك، وافق النظام في عام ٢٠٢٣ على فتح مصنعين جديدين لتصنيع الأسلحة الإسرائيلية مملوكين لشركة إلبيت سيستمز.
وفي آب/أغسطس ٢٠٢٤، أبرمت المملكة عقداً بقيمة مليار دولار لشراء أقمار صناعية صهيونية للمراقبة. وفي العام نفسه، أفاد المكتب الوطني للإحصاء المغربي أن ٨٢،٥٪ من الأسر المغربية قالت إنٍ مستوى معيشتها قد تدهور في الأشهر ال١٢ الماضية.
وتوفّر البنية الفوقية الأمريكية السلاح، وتثري من يمكن أن يكون امتدادًا لنفوذها.
التبعية الاقتصادية وتكريس الطبقة الحاكمة
يسلّط نهج دولة الإمارات العربية المتّحدة الضوء أيضًا على تشابك الاستراتيجية الاقتصادية والسيطرة السياسية. وقد أظهر الشيخ محمد بن زايد آل نهيان التزامه بالحفاظ على التحالف الاستراتيجي مع الكيان الصهيوني على الرغم من أنّ معهد واشنطن يشير إلى أنّ ربع الإماراتيين فقط أيدوا اتفاقات أبراهام، وهذه النسبة آخذة بالتناقص سنويًا.
وفي عام ٢٠٢٣، أسّست الإمارات العربية المتّحدة وإسرائيل اتّفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة، وهي مشروع اقتصادي وعسكري مشترك بقيمة مليارات الدولارات. ومع استمرار الإبادة الجماعية في غزّة، تجاوزت الإمارات العربية المتّحدة الحصار الذي تفرضه اليمن على الملاحة الصهيونية من خلال إنشاء طريق برّي إلى فلسطين المحتلّة، ممّا يضمن استمرار مشاريعها دون عوائق. وفي الوقت نفسه، حرصت على الترويج المكثّف لإدخال شاحنات المساعدات وعمليات الإنزال الجوّي إلى قطاع غزّة المحاصر. وفي مثل هذه الدولة التي تهتمّ بصورتها أمام مرأى العالم، يُنظر إلى الطبقة الحاكمة بازدراء متزايد لدعمها نظام الإبادة الجماعية. وفي استطلاع للرأي العام أجراه المركز العربي في العاصمة الأمريكية واشنطن، ذكر ٦٧٪ من العرب في منطقة جنوب غرب آسيا وشمال أفريقيا أنّ موقف الإمارات العربية المتّحدة في الحرب كان سيئًا أو سيئًا جدًا.
تختلف علاقة الإمارات العربية المتٍحدة بالإمبريالية عن علاقة المغرب أو مصر أو الأردن. ففي حين أنّ الممالك النفطية في الخليج العربي قد لا تعتمد على المساعدات الأمريكية كنظيراتها في شمال إفريقيا والأردن، إلّا أنّها لا تزال تتماشى مع الإمبراطوريات الغربية من خلال العمل معًا لتعزيز الهيمنة الأمريكية والاستفادة منها. يؤسّس الممرّ الاقتصادي الهندي-الشرق أوسطي-الاقتصادي الذي توسّطت فيه الولايات المتّحدة طرق الشحن من الهند عبر الإمارات العربية المتّحدة وفلسطين المحتلّة إلى أوروبا. وتؤدّي دولة الإمارات العربية المتّحدة دورًا حاسمًا في مجال الشحن العالمي، حيث تعمل كمركز عبور من الشرق إلى الغرب، وحصن آخر ضد أولئك الذين يسعون إلى تحدّي القوّة العظمى في العالم.

شبكة العملاء
لدى النظام الملكي الأردني تاريخ طويل في تهميش القضية الفلسطينية؛ فقد تفاوض أولى ملوك الأردن عبد الله الأوّل بن الحسين سرًّا مع الوكالة اليهودية لإسرائيل، وهي الأداة التنفيذية للمنظّمة الصهيونية العالمية، لضمّ الأراضي الفلسطينية في أواخر الأربعينيات. اغتيل عبد الله الأوٍل بن الحسين في الخمسينيات من القرن العشرين، وتولى ابنه حسين الحكم. وفي السبعينيات، توجّه الملك حسين إلى تلّ أبيب لتحذير غولدا مائير، رئيسة الوزراء الصهيونية آنذاك، من هجوم وشيك من سوريا ومصر. وكان هذا الملك نفسه مسؤولاً عن طرد آلاف اللاجئين الفلسطينيين، وكذلك منظّمة التحرير الفلسطينية، من الأردن في أعقاب ما عُرف بأحداث أيلول الأسود.

وقد استمرّ هذا النمط من التواطؤ عبر التاريخ وحتّى العصر الحديث.
واليوم، لا يزال التباين بين الطبقتين الحاكمة والعاملة واضحًا. فوفقًا لمعهد واشنطن، يعارض ٨٤٪ من الأردنيين أيّ تعاون مع إسرائيل. وعلى الرغم من ذلك، لا تزال التجارة مع الكيان الصهيوني مستمرّة بلا هوادة؛ فوفقًا لموقع ميدل إيست آي، بلغت الصادرات الأردنية إلى الكيان قيمة ٣٥،٧ مليون دولار في أيار/مايو ٢٠٢٤، مقارنة ب ٣٢،٣ مليون دولار في أيار/مايو ٢٠٢٣، ما يمثّل زيادة بقدر ١٠٪ تقريبًا.
وقد سمح الأردن بشكل منتظم باستخدام مجاله الجوي من قبل جيش الإحتلال الصهيوني والولايات المتّحدة الأمريكية، ووصل الأمر بالمملكة إلى حدّ الدفاع عن "حدود إسرائيل" من خلال إسقاط الصواريخ الإيرانية المتّجهة إلى أهداف صهيونية، حيث تمّ إسقاط أحدها في الأوّل من تشرين الأوّل/أكتوبر ٢٠٢٤، وانتهى الأمر بإصابة أردنيين اثنين.
وما يؤكّد هذا التوتّر هو عدد اللاجئين في الأردن. ويشكّل اللاجئون ما يقرب من ٣٣٪ من إجمالي عدد سكّان الأردن، والكثير منهم أمثلة حية على التطهير العرقي الصهيوني لفلسطين. وتشير تقارير أنيرا إلى أنّ الأردن يستضيف ٣،٣ مليون لاجئ، منهم ٢ مليون لاجئ فلسطيني. وعلاوة على ذلك، ووفقًا للمفوضية السامية للأمم المتّحدة لشؤون اللاجئين، فإنّ ما يقرب ٥٠٪ من الأردنيين من أصول فلسطينية.
سخط شعبي متزايد
ولكن هناك شرخ متزايد بين النخب الحاكمة ومواطنيها. إذ ترى نخب هذه الأنظمة أنّ مستقبلها متشابك مع مستقبل الكيان الصهيوني والولايات المتحدة. فالسياسات، الداخلية والخارجية على حد سواء، تتماشى مع استمرار احتكارها للإنتاج على الشعوب التي تحكمها. ومع ذلك، يصوّر القادة أنفسهم على أنّهم صارمون مع إسرائيل، ويدينون تكتيكات الإبادة الجماعية التي تمارسها أمام وسائل الإعلام ويقدّمون إشارات دعم رمزية مثل عمليات الإنزال الجوي وشحنات المساعدات إلى غزّة المحاصرة. كلّ ذلك بينما تقوم من ناحية أخرى، وفقًا لمؤسّسة الدفاع عن الديمقراطيات، بتوفير الدعم الاستخباراتي والجوي والمادي للاحتلال. لا تعمل هذه الإجراءات الرمزية إلا على إخفاء حقيقة الاستغلال والتلاعب. إنّهم يدعمون فلسطين ظاهريًا ويسترضون الجماهير مؤقّتًا بينما يعزّزون مواقفهم الخاصّة من خلال التحالفات مع القوى الإمبريالية. وهي تصرف الانتباه عن الاستغلال الذي تعاني منه في ظلّ نظام رأسمالي يربط قادتها بالمصالح الغربية.
وفي جميع أنحاء منطقة جنوب غرب آسيا وشمال أفريقيا، يظهر التفاوت بين النخبة الحاكمة والطبقة العاملة. فوفقًا لمنظمة أوكسفام، ضاعفت الجائحة وأزمة غلاء المعيشة تقريبًا من ثروة فاحشي الثراء في منطقة جنوب غرب آسيا وشمال أفريقيا بين عامي ٢٠١٩ ٢٠٢٢. فقد شهدت نسبة ٠،٠٥٪ الأعلى ثراءً زيادة ثرواتهم بنسبة ٧٥٪، من ١،٦ تريليون دولار إلى ٣ تريليون دولار. وفي الوقت نفسه، ارتفع الدين العام. ففي مصر، ارتفع هذا الدين من ٧٠٪ إلى ٩٠٪ في مصر، ومن ٤٥٪ إلى ٦٩٪ في المغرب.
وبينما يتحكّم أصحاب الدخل الأعلى في كل بلدّ بمعظم ثروات بلادهم، تستمرّ آفاق الطبقة العاملة في الركود، وتحظى بفرص عمل أقلّ وتواجه مستويات متزايدة من الجوع. ووفقًا لقاعدة بيانات التفاوت في العالم، في عام ٢٠٢٢، سيطر أغنى ١٪ في منطقة جنوب غرب آسيا وشمال أفريقيا على ٤٥٪ من ثروات المنطقة، بينما سيطر الـ ٥٠٪ الأدنى على ١٪ من ثروات المنطقة. ومع استمرار القادة العرب والنخبة الحاكمة في إثراء أنفسهم، فإنّ مستقبل الطبقة العاملة في مصر والمغرب والإمارات العربية المتّحدة والأردن يبدو مظلما.
لكن هذه الأنظمة أكثر هشاشة ممّا تبدو عليه. فقد كان انعدام فرص العمل حافزاً كبيراً للربيع العربي، وتقول منظّمة العمل الدولية إنّه على الرغم من أنّ معدّل البطالة بين الشباب في منطقة جنوب غرب آسيا وشمال أفريقيا أقلّ من معدّل ما قبل الجائحة، إلّا أنّ معدّل البطالة بين الشباب في منطقة جنوب غرب آسيا وشمال أفريقيا، الذي بلغ ٢٤،٤٪ في عام ٢٠٢٣، هو تقريباً ضعف المعدّل العالمي. علاوة على ذلك، وممّا يفاقم من الوضع المتقلّب أصلًا، وفقًا لصندوق النقد الدولي، ارتفع معدّل التضخّم في مصر من ٢٤٪ في عام ٢٠٢٣ إلى ٣٣٪ في عام ٢٠٢٤.
احتمالات قيام انتفاضات والوضع الراهن الجديد

لم تحسّن التحالفات بين القوى الإمبريالية الغربية والطبقة الحاكمة الظروف المادّية للطبقة العاملة. في كتابه "تفكيك الإشتراكية العربية"، يحاجج على القادري أنّ تفكيك البنى الاشتراكية التي أفادت في السابق الفئات الأفقر والأضعف في المنطقة، أدّى لارتفاع التوتّرات والقلاقل الاجتماعية. تمّ استبدال آليات إعادة توزيع الثروات الاقتصادية والدعم الاجتماعي بجهات دولية تدفع الدول لتبنّي سياسات نيوليبرالية. غالبًا ما تمّ تقديم قروض غربية مع شروط تفرض الخصخصة والتقليل من تدخّل الحكومة، ما أدّى لازدياد التبعية الاقتصادية القوى الغربية.
القضية الفلسطينية هي حركة مقاومة شعبية تربط الطبقة العاملة بنضال أوسع من أجل التحرّر، لا من سطوة القوى الأجنبية فحسب، بل من الظلم المحلّي كذلك.
تهدّد الفظائع اليومية من إبادة غزّة والتي يتمّ بثّها بصورة مباشرة باقتلاع سنين طويلة من ترسّخ الطبقة الحاكمة. الجموع قادرة على قراءة ما بين السطور؛ يتمّ إبادة إخوانهم الفلسطينيين، وتذهب ضرائبهم لإثراء حكّامهم، بينما تتقلّص قدرتهم الشرائية. يدفع الحرمان الاقتصادي الناس لانتهاج المقاومة. بينما تسعى النخب الحاكمة لتنفيذ مشاريع بدعم غربي وفرض سياسات الخصخصة التي تنهب الموارد من المصلحة العامّة، تضع هذه الظروف البنى الأساسية لقيام انتفاضات.
بات المصريون يخرجون أكثر فأكثر في مظاهرات ويواجهون خطر الاعتقال الجماعي لترديدهم شعارات فلسطينية خلال مباريات كرة القدم. ينظّم المغربيون مظاهرات بانتظام دعمًا للشعب الفلسطيني في الدار البيضاء، بينما رفض عمّال المرفأ في طنجة أن يفرغوا شحنات عسكرية في طريقها لفلسطين المحتلّة. أمّا بالنسبة للأردنيين، فباتوا يفتحون النار على الجنود الصهاينة عند الحدود وفي السفارة الصهيونية في عمّان.
سيؤدّي الشرخ بين هؤلاء النافذين الذين يدأبون للتمسّك بسلطتهم مهما كلّف الأمر، وبين العمّال العاديين، عاجلًا أم آجلًا، إلى نشوب صراع هائل. أبناء الطبقة العاملة في منطقة جنوب غرب آسيا وشمال أفريقيا في طريقهم لبلوغ مراحل من العوز الاقتصادي لا يمكن احتمالها على المدى الطويل. القضية الفلسطينية هي حركة مقاومة شعبية تربط الطبقة العاملة بنضال أوسع من أجل التحرّر، لا من سطوة القوى الأجنبية فحسب، بل من الظلم المحلّي كذلك. لا يمكن فصل الصراع من أجل تحرير فلسطين عن صراع الطبقة العاملة في المنطقة.
كما أبرز التاريخ في حال نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، لا يمكن التصدّي للشعب عندما يتمّ دفعه إلى حافّة الهاوية، بغضّ النظر عن المسافة أو العوائق المنيعة التي قد يبدو تجاوزها مستحيلًا. بدأ السدّ بالتشقّق.
يُدفع الشعب للمقاومة عندما يتمّ حرمانه من أبسط حاجاته الأساسية، وعندما تتوقّف المؤسّسات المعدّة لخدمته عن إتمام واجباتها، وعندما يضع حكّامه الأرباح والتحالفات الإمبريالية أولوية على حساب الإنسانية، يصبح الصراع الطبقي حتميا. ولكن، إسقاط الطبقة الحاكمة لا يستوجب النية لذلك فحسب، بل يستوجب توفّر الوسائل لتحديد البنى التي تؤبّد الامر الواقع.
المراجع
ANERA. (2024, April 24l). Jordan situation report: April 2024 (draft). https://www.anera.org/wp-content/uploads/2024/04/April-2024-Jordan-Situation-Report-Draft.pdf
DC (ACW), A. C. W. (2024, February 23). Arab Public Opinion about Israel’s War on Gaza. Arab Center Washington DC. https://arabcenterdc.org/resource/arab-public-opinion-about-israels-war-on-gaza/
El Hamamouchi, A. (2024, July 30). Morocco on the edge of an abyss. PassBlue. https://www.passblue.com/2024/07/30/morocco-on-the-edge-of-an-abyss/
Global Partnership for Sustainable Development Data. (n.d.). HCP: High Commission for Planning, Morocco. https://www.data4sdgs.org/partner/hcp-high-commission-planning-morocco
Hossam, A. (2023, August 30). Photos: Egypt’s New Administrative Capital megaproject. The Atlantic. https://www.theatlantic.com/photo/2023/08/photos-egypt-new-administrative-capital-megaproject/675179/
Human Rights Watch. (2024, September 13). Egypt: US waives human rights conditions on military aid. https://www.hrw.org/news/2024/09/13/egypt-us-waives-human-rights-conditions-military-aid
Ibrahim, G. (2011). Free Palestine [Photograph]. https://www.flickr.com/photos/50037840@N02/5724532369/
Inflation rate, average consumer prices. IMF. (n.d.). https://www.imf.org/external/datamapper/PCPIPCH@WEO/VEN/EGY
International Crisis Group. (2024, June 14.). The UAE and Israel/Palestine. https://www.crisisgroup.org/middle-east-north-africa/gulf-and-arabian-peninsula/united-arab-emirates-israelpalestine/uae-israel
International Labour Organization. (2024, August 12). Global employment trends for youth 2024. https://www.ilo.org/publications/major-publications/global-employment-trends-youth-2024
Koeniges, T. R. (1969). PFLP [Photograph]. https://commons.wikimedia.org/wiki/File:PFLP-group-1969.jpg
Middle East Institute. (2019, October 28). There may not be any celebrations, but the Israeli-Jordanian peace agreement has endured for 25 years. https://www.mei.edu/publications/there-may-not-be-any-celebrations-israeli-jordanian-peace-agreement-has-endured-25
Middle East Monitor. (2024, August 20). Morocco enters into $1bn contract to acquire Israel spy satellites. https://www.middleeastmonitor.com/20240820-morocco-enters-into-1bn-contract-to-acquire-israel-spy-satellites/
Middle East Eye. (2024, June 20). Egypt’s exports to Israel doubled in 2024: Official report. https://www.middleeasteye.net/news/egypt-exports-israel-doubled-2024-official-report
Ministry of Economy, United Arab Emirates. (n.d.). CEPA Israel. https://www.moec.gov.ae/en/cepa_israel
Oxfam. (2023, October 4). Super-rich in Middle East and North Africa nearly double wealth in just three years as world's poor face rising hunger. https://www.oxfam.org/en/press-releases/super-rich-middle-east-and-north-africa-nearly-double-wealth-just-three-years-worlds
Pollock, D. The Washington Institute. (2023, May 31). UAE public opinion: Still friendly to the United States, split on Israel, hostile to Iran. https://www.washingtoninstitute.org/policy-analysis/uae-public-opinion-still-friendly-united-states-split-israel-hostile-iran
Progressive International. (2023, June 11). Popular Front for the Liberation of Palestine: Resistance until victory. https://progressive.international/blueprint/5da536b7-5fb4-4cb3-af35-236350c5cdea-popular-front-for-the-liberation-of-palestine-resistance-until-victory/en
Sharawi, A. (2024, November 27). Security cooperation with Jordan: Key to protecting Israel’s eastern front. Foundation for Defense of Democracies. https://www.fdd.org/analysis/2024/11/27/security-cooperation-with-jordan-key-to-protecting-israels-eastern-front/
Staff, M. (2024, June 24). War on Gaza: Egyptian monthly exports to Israel double, UAE and Jordan exports also rise. Middle East Eye. https://www.middleeasteye.net/news/egypt-exports-israel-doubled-2024-official-report
The Washington Institute. (2023, June 9). New public opinion poll: Jordanians favor de-escalation in the region, but sentiment against normalization remains strong. https://www.washingtoninstitute.org/policy-analysis/new-public-opinion-poll-jordanians-favor-de-escalation-region-sentiment-against
Tehran Times. (2024, June 22). Egypt, Jordan, UAE exports to Israel rise despite Gaza onslaught. https://www.tehrantimes.com/news/500129/Egypt-Jordan-UAE-exports-to-Israel-rise-despite-Gaza-onslaught
World Inequality Database. (2023, November 22). 2023 WID update: MENA. https://wid.world/news-article/2023-wid-update-mena/
U.S. Department of State. (2024, September 26.). Egypt: Foreign assistance. ForeignAssistance.gov. https://www.foreignassistance.gov/cd/egypt/
(1993). Bill Clinton, Yitzhak Rabin, Yasser Arafat at the White House [Photograph]. https://upload.wikimedia.org/wikipedia/commons/f/f5/Bill_Clinton%2C_Yitzhak_Rabin%2C_Yasser_Arafat_at_the_White_House_1993-09-13_cropped.jpg
(2024). Octagon in New Cairo [Photograph]. https://www.over-view.com/overviews/the-octagon